بمرور مائة عام على مولد المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة ويحتفل معها كل محبيها، بمئوية زايد الخير والعطاء، زايد الذي كانت فترة حكمه من أزهى وأنضر ما شهدته الأمه العربية عبر تاريخها الطويل، فلقد تمتع رحمه الله بخيال واعد وبحب للعمل العام من أجل شعبه وبرؤية مستقبلية تحمل لشعبه النماء والتقدم والرفاه. فلقد كان الإنسان محط اهتمام زايد الذي قدم الاستثمار فيه على الاستثمار في العمران؛ مع أنه لم يدخر جهداً في الاستثمار فيهما معاً، حيث أنجز وبشكل متوازن بناء الإنسان الإماراتي المتعلم الطموح، وفي الوقت نفسه قاد أكبر عملية تنمية اقتصادية وعمرانية شهدها عالمنا المعاصر. لقد أدرك زايد، رحمه الله، أن التعليم مفتاح التقدم والنماء، وهذا ما أشار إليه في حديثه إلى وكالة أنباء الإمارات بعد أن شهد تخريج دفعة من أبنائه من جامعة الإمارات ومن الكلية العسكرية في سنة 1983 حيث قال: “إن الرصيد الاستراتيجي لأي أمة متقدمة هو أبناؤها؛ وأبناؤها المتعلمون بشكل خاص ،لأن رقي الأمم يقاس بمستوى التعليم وانتشاره فيها “. ولذلك وجه عنايته نحو التعليم ووفر له كل ما يحتاجه من قدرات بشرية وإمكانات مادية. فافتتح المدارس في المدن والقرى والمناطق النائية، ووفر للمواطنين والمقيمين التعليم المجاني في آن واحد معاً. وأقبل المواطنون على المدارس بشغف، ليعوضوا في سنوات ما فاتهم في عقود. وانخرطوا في التعليم، ذكوراً وإناثاً، ومن جميع الفئات والأعمار، ووجد الطلاب الذين أنهوا تعليمهم الثانوي الفرصة للابتعاث للدراسة في أفضل الجامعات العربية والعالمية، وفي شتى التخصصات، ريثما يتم تأسيس جامعة عصرية تليق بطموحه في أن يقدم الأفضل لأبنائه، وفي سنة 1976 افتتح جامعة الإمارات في العين التي باتت اليوم بين الجامعات الأفضل عربياً وعالمياً. وقد وصل عدد طلابها إلى 13810 طالبة وطالب في العام الدراسي 2016—2017 منهم 81 % من الإناث، و19% من الذكور. وفي سنة 1988 افتتح رحمه الله كليات التقنية العليا في إمارات الدولة كافة، ليوفر التعليم الجامعي التقني المتقدم إلى المواطنين حيث يقيمون، تحفيراً لهم للالتحاق بالتعليم الجامعي. وقد وصل عدد طلاب كليات التقنية 23 ألف طالب وطالبة.
وتفخر الإمارات اليوم بأنها تضم ما يربو على 50 جامعة تنتشر في جميع إمارات الدولة تدرس جميع التخصصات والعلوم، وقد قارب عدد الطلاب الإماراتيين في الجامعات سبعين ألف طالبة وطالب، وها هم أبناء الإمارات اليوم يبدعون في العلوم شتى ويشغلون أعلى الوظائف التي تحتاج إلى تخصص رفيع من: مديري شركات، وأطباء. ومهندسين، وصيادلة، وكوادر وطنية مؤهلة علمياً. وتدير أهم الصروح العالمية لإطلاق الأقمار الصناعية التي تعبر عنان السماء من خلال جهود وكالة الإمارات للفضاء.
إن ما أنجزه زايد لشعبه في مجال التعليم أنجزه في شتى المجالات، فلقد كان حريصاً على توفير أفضل الخدمات الصحية لمواطنيه، كما كان حرصه شديداً على أن ينعم كل مواطن بمسكن لائق، وبحياة كريمة في وطن عزيز.
وبقدر ما اهتم زايد بوطنه الإمارات اهتم بوطنه الأكبر، حيث حرص على وحدة الصف العربي ووحدة الكلمة ووقف إلى جانب أشقائه عندما تتعرض دولة شقيقة أو شعب شقيق لعدوان.
فكان إلى جانب أشقائه في حرب أكتوبر حيث كانت مقولته الأثيرة “البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي”. ولقد كان المغفور له زايد سخياً في عطائه حيث منع المساعدات لجميع من يحتاجها، وأورث ذلك لأبنائه حتى باتت الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين دول العالم المانحة.
ومن مآثره رحمه الله , أنه أسس دولة الإمارات على التسامح وقبول الآخر ما مكن دولة الإمارات العربية المتحدة أن تصبح رمزاً عالمياً في مجال التسامح الديني والفكري والتعايش.
ولقد كان من أهم ثوابت النظرة الاستراتيجية للشيخ زايد رحمه الله العمل الدائم على تجنب المشاكل التي قد تتسبب بعرقلة العمل الوطني في بناء وتطوير قدرات دولة الإمارات، ولقد أكد على ذلك رحمه الله للوزراء بعد أدائهم اليمين الدستورية في شهر يوليو عام 1983 بالقول “لا شك أنكم في صورة الوضع الداخلي والتطورات الخارجية، والجميع يعلم أن دولة الإمارات منذ أن قامت ليس لها خصومة مع أحد “.
إن تراث زايد الإنساني والفكري والاستراتيجي وحكمته ورؤاه السديدة في القيادة والحكم الرشيد ستظل مصدر الإلهام في كل خطوة تخطوها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الأمام. وهي الأساس الصلب لترسيخ البنيان الاتحادي لدولتنا الفتية ونقطة الانطلاق نحو المستقبل كي تعزز من مكانة إماراتئا الحبيية كواحدة من أفضل دول العالم في كل المجالات خلال السنوات المقبلة، وسنواصل معاً مسيرة التمكين المباركة التي تستهدف تهيئة البيئة اللازمة لتمكين أبناء الوطن من عناصر القوة ليصبحوا أكثر إمكاناً ومشاركة في مختلف مجريات الحياة الاجتماعية والسياسية والإنتاجية والمعرفية، لأن الثروة الحقيقية كما قال الشيخ زايد، رحمه الله، ليست في الإمكانيات المادية، وإنما في الرجال الذين يصنعون مستقبل أمتهم. ولهذا فإننا عازمون على مواصلة هذا النهج وتمكين الإنسان الإماراتي في كل المجالات كي يقوم بدوره على الوجه الأمثل في مسيرة التنمية المستدامة، هذا ما أكده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، حين أعلن أن عام 2018 سيحمل شعار ” عام زايد ” ليكون مناسبة وطنية تقام للاحتفاء بالقائد المؤسس لإبراز دور المغفور له في تأسيس وبناء دولة الإمارات إلى جانب إنجازاته المحلية والعالمية.
وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي فإن هذا العام سيشكل فرصة لنا (قيادة وشعباً) كي نترجم القيم التي غرسها فينا من خلال مواصلة العمل والبناء، كي تظل الإمارات في صدارة الدول التي تحقق المعادلة الصعبة “نهضة الدولة ونهضة الإنسان” وإن أمامنا مسؤولية كبيرة تتمثل في الحفاظ على إرث زايد ونستذكره وننقله لأجيال الغد.
إن سيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان أل نهيان طيب الله ثراه ستظل حية في وجدان شعب الإمارات والشعوب العربية والإسلامية بل والعالم أجمع لأن أياديه البيضاء امتدت لتغيث الملهوفين وتعين الضعفاء وتسعف المحتاجين في جميع أرجاء المعمورة.
وسيكون من دواعي فخرنا واعتزازنا في مجلة شؤون اجتماعية، المشاركة بعام زايد بفتح صفحات المجلة في هذا العام لنشر عدد من البحوث والدراسات والمقالات التي تتناول فكر زايد وشخصيته الفذة وقيادته الاستثنائية في بناء دولة الإمارات العريية المتحدة، وتعزيز مكانتها لتكون دولة عزيرة منيعة تسهم في أن يكون لأمتنا العربية دور في صنع الحضارة الإنسانية المعاصرة.